نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
ما لا يظهره فيديو اغتيال جو بجاني, اليوم الجمعة 8 يناير 2021 11:51 مساءً
صعد جو إلى سيارته، تبعه رجل مجهول، خمسيني ربما، مهرولاً، ليس ارتباكاً ولا استعجالاً، بل أراد أن يباغته قبل أن ينتبه لوجوده، أرادها أن تكون عملية صامتة ذات صباح هادئ.
كانا يعرفان بدقة توقيت خروجه وروتينه الصباحي. الوقت الذي يقضيه في السيارة وحيداً قبل أن تحضر الفتاتان، كان قد أصبح مألوفاً لهما. ولعلهما، خلال مناوبات المراقبة السابقة، سمعاه ينادي ابنتيه بإسميهما. لكن ذلك كله ليس مهماً بالنسبة للقَتَلة. هما مجرد مجرمين ينفذان الأوامر، يقومان بما يجيدان فعله، القتل ببرودة أعصاب، كأنهما يقتلان للمرة الألف، ببطء من ملّ أداء المهمة نفسها مرات ومرات. أنهيا عملهما، ثم غادرا بالهدوء نفسه الذي أتيا به، وتواريا عن الأنظار. والباقي تكفّلت به مخيلة اللبنانيين.
ككل الجرائم في لبنان، سيلفّ هذه الجريمة غموض، سيتحول في ما بعد إلى حَجَر إضافي في بناء أسطورة التاريخ اللبناني، حاكتها بعناية أرواح كل الذين قتلوا وعجزت الدولة عن معرفة المجرم، أو ربما أغفلته. جو بجاني واحد منهم.
هي قصة إضافية يرتكز عليها المؤمنون بالمؤامرة، لدعم حججهم، أو شهيد يتغنى به الوطنيون، قدّم نفسه على مذبح الوطن في سبيل كشف جريمة انفجار المرفأ، كما حلل البعض وذكرت وسائل إعلام عربية.
لكن ماذا أراد جو بجاني حقيقة؟ أن يكون أسطورة؟ أن يكون شهيداً؟ بطلاً؟ أم مجرد رجل يعيش حياة رتيبة ومملة برفقة زوجته وأولاده ويمارس الروتين نفسه يومياً؟ يقود سيارته ضمن السرعة القانونية، يمشي على الإشارة الخضراء ويقف عند الإشارة الحمراء، من غير أن يحاول يوماً المخالفة أو ادّعاء البطولة، بل يراقب الأحداث تجري من حوله، مكتفياً بتصويرها وتوثيقها قبل أن يتحول هو نفسه إلى حدث توثّقه كاميرا مراقبة.
لماذا لم ترتفع الأصوات مطالبةً بكشف الحقيقة؟ لماذا لم يصمد هاشتاغ #جو_بجاني في "تويتر" أكثر من بضع ساعات؟ هل تأقلمنا مع القتل كما تأقلمنا مع ارتفاع الأسعار وانهيار الاقتصاد وسرقتنا وانفجار عاصمتنا وألف مصيبة نزلت علينا؟ ألا نملك سوى بعض النحيب لساعات قليلة في مواقع التواصل قبل أن ننسى ونصمت؟ هل هو الخوف؟ أم التسليم بقوة أعلى منا كشعب وأعلى من الدولة تحكمنا جميعاً، وليس علينا سوى أن ننساق إلى قدرنا، مثل أبقار تُقاد إلى الذبح وقبل أن يحزّ السكين رقابنا، نحاول الاستمتاع بوجبتنا الأخيرة.
0 تعليق